السبت، 10 مارس 2018

أعزائي القراء سلام الله عليكم ! أتمنى أن تنال هذه القصة رضاكم كسابقاتها. بدون تعليق !//مصطفى دهور. أستاذ اللغة الفرنسية.

أعزائي القراء سلام الله عليكم !
أتمنى أن تنال هذه القصة رضاكم كسابقاتها.

بدون تعليق !
ذات يوم ، وأنا أجوب شوارع المدينة كعادتي ، أثار انتباهي شيء ما على بعد مائة متر تقريبا . كان الناس يسرعون في مشيتهم وقد قادهم الفضول لمعرفة مايجري هناك . 
ياللهول ، مشهد مؤسف للغاية : رجل يضرب امرأة في الشارع العمومي وأمام أنظار العديد من الناس ! كان صاحبنا رجلا طويل القامة ، ضخم الجثة ، وكان ينهال ضربا على امرأة رقيقة الجسم ، قليلة اللحم ! كانت المرأة تصيح وتطلب النجدة ، لكن لم يجرؤ أحد على التدخل، خوفا من بطش الرجل به؛ فكل شيء كان يدل على أنه شديد الظلم والطغيان .
ماذا جرى يازمان ؟ أين نخوة الرجال ؟ أين رجولة الرجال ؟ ماالسبب في ممارسة هذا العنف البين من طرف الرجل على المرأة ؟ وهل تستحق المرأة كل هذا ، وهي ذلك الكائن الضعيف البنية ، والتي يقال عنها أنها جنس لطيف ؟ لقد تغير كل شيء ، وفسد كل شيء ، وضاع كل شيء . . لقد اختلطت المفاهيم ، وغابت المبادىء ، وفقدت الحياة حلاوتها والحب بريقه ، فجاءت الأحقاد بين الناس لتحل محل الود والقرب ، وجاء العنف تجاه المرأة ليضع عنوانا آخر لتلك العلاقات التي كانت تتسم بالحب والإحترام ، في زمن كان للحب والإحترام معنى !
كانت مفاصلي كلها ترتعش من شدة الغضب والإنفعال ، لكني لم أستطع فعل أي شيء لأرفع الظلم عن هذه المرأة المسكينة ؛ إني أجر ورائي خمسة وستين سنة ، وأتنقل من مكان لآخر بواسطة عكاز طبي ! 
إيه يا شباب ! الكل كان يتفرج وقد ربع يديه ، وكأني بهم أمام مشهد سينمائي ! أي شباب هؤلاء الذين لا يملكون الشجاعة لرفع الظلم عن المظلوم ! 
تذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حول النهي عن المنكر والأمر بالمعروف ، فقلت في نفسي " يمكنني أن أغير هذا المنكر بالقول ، مادمت عاجزا على تغييره باليد ! " 
اقتربت من الرجل وقلت له ، دون أدنى خوف :
- ألا تتقي الله في هذه المرأة الضعيفة ، ياهذا ؟ 
لم ينظر إلي ، لكن جوابه جاء بطريقة غير مباشرة : لقد صفع المرأة بقوة ، صفعة سقطت على إثرها فوق الرصيف ، والدم يسيل من أنفها . انفجرت غاضبا أمام هذا الحشد الهائل من الناس :
- أليس فيكم من يمكنه أن يتصدى لهذا الجبار ؟ 
نظر إليهم هو نظرة كلها شراسة ، فانفضوا من حوله وقد ملأ الخوف قلوبهم وركبهم . أدركت أن لا فائدة من هذا كله فاتخذت قرارا ظننت أنه سيكون صائبا ، ألا وهو أن أخاطب هذا الشخص بشيء من اللين ، لعل الله يلهمه رشده على يدي . قلت له :
- ياولدي ! لاتغضب مني ، فأنا في مقام أبيك ، ولا أريد إلا مصلحتك ! افرض أن أجل هذه المرأة أتى ، لا قدر الله على إثر ضربة منك، فستكون أنت الخاسر بدخولك السجن ! لم تعرض نفسك لكل هذا وتخسر حياتك ، وأنت شاب ينتظرك مستقبل زاهر ؟
ألقى إلي نظرة مختلسة ، ثم أشعل سيجارة وأخذ يدخن في صمت . اقتربت منه ووضعت يدي بلطف على كتفه ، دون أن أقول شيئا .
قامت الفتاة من مكانها ، وهي تبكي في صمت ، فقال لها :
- إن دموع التماسيح لاتؤثر في ! اذهبي الآن ، ولنا لقاء في المساء !
انصرفت دون أن تلتفت، وقد كثر عثارها. أراد الشاب أن ينصرف بدوره ، بعد أن فاجأني بتقبيله لرأسي ، فقلت له :
- هل يمكن أن أضع عليك سؤالا ؟
- تفضل ، يا عم !
- ماالذي جعلك تشبع هذه الفتاة ضربا مبرحا ؟ أهي زوجتك ، أم فقط صديقتك ، أم ماذا ؟
ابتسم الشاب وقال لي :
- هل أنت مصر على أن تعرف الجواب ؟
- إذا كان هذا لايضايقك ؛ فأنا رجل كثير الفضول !
كنا واقفين بالقرب من إحدى المقاهي ، فقال لي :
- مارأيك أن أعزمك على قهوة أو شاي ، ثم أجيبك على سؤالك ؟ 
- فكرة طيبة ، والله !
يالهذا الزمان ، وأهل هذا الزمان ! لقد كنت في البداية أستشيط غضبا وأنا أوجه اللوم للرجال ، لما رأيت من عنف من هذا الشاب تجاه تلك الفتاة المسكينة ، لكن لما سمعت حكايته معها ، اختلط علي كل شيء ؛ فهذا زمن أصبح فيه الرجل والمرأة وجهان لعملة واحدة ، ولا تعرف من الرأس ومن الذيل ! أأقول الآن ، أين نخوة الرجل ، أم أين صدق المرأة وصفاءها ؟ أين رجولة الرجل ، أم أين وفاء المرأة للرجل ؟ أم أتساءل عن سبب اختفاء ذلك الحب المتبادل بين الرجل والمرأة ، والذي كان يؤلف لعقود قد خلت بين قلوبهما ! أسئلة كثيرة ومعقدة أصبح من الضروري معالجتها والبث فيها من طرف خبراء ومتخصصين في العلاقات الإنسانية.
طلبت أنا قهوة وطلب هو شاي ، وبعد مرور أقل من دقيقتين ، قال لي :
- أولا ، دعني أشكرك لأنك نبهتني لشيء مهم جدا ، فلقد كنت فعلا سأخسر حياتي كما سبق وقلت لي !
- ولم هذا كله ؟
- لم ؟ آه ، لو كنت تعلم ! هذه الفتاة ادعت ، منذ عامين قد خلت بأنها تحبني ، مما جعلني أحبها وأكرس حياتي من أجلها ، لدرجة أنني قررت الزواج منها ، لكن . . 
سكت الشاب قليلا ، وبعد أن أطفأ بشيء من العنف عقب سيجارته في منفضة كانت أمامه ، قال :
- لقد أحببتها وأخلصت في حبها ( كانت على فكرة أول فتاة أحب في حياتي ) ، وكنت أشتري لها ، بين الفينة والأخرى ملابس أو حلي ، وكنت أساعد عائلتها الفقيرة بشيء من المال ، وفي آخر المطاف ، اكتشفت أنها كانت على علاقة بشاب آخر !
- شاب آخر ؟ وهل رأيتهما ، أم نقل لك أحدهم هذا الخبر ؟ 
- رأيتهما بأم عيني ، ولما سألتها قالت لي بأنه ابن خالتها التقت به صدفة ، وأن لاشيء يجمع بينهما ؛ لكني راقبتها عن كثب ، واكتشفت كذبها . . وشاءت الأقدار أن أصادفهما اليوم أمامي ، وعلى بعد خطوة واحدة مني ؛ كان ذلك قبل نصف ساعة من الآن . فلما رآني هو ، فر هاربا !
- فر هاربا ؟ كان يعرفك إذن ؟
- الظاهر كذلك ! ولما سألتها ماالذي يجري ، قالت لي دون استحياء أو أدنى خوف بأنه هو من تحب !
- هو من تحب ؟!
- نعم ! ولما حدثتها عن علاقتنا ، وعن الحب الذي نكنه لبعضنا ، قالت لي بأن كل شيء تبخر ، ولم يصبح له أي وجود ! انفعلت طبعا ، ثم رفعت يدي عليها ، فقالت لي بأعلى صوتها أنها ستستدعي البوليس ، إن أنا فكرت لحظة أن أمد يدي عليها ، مما أثار غضبي ، فوقع ماوقع ، ولولا وجودك لكنت سأرتكب جريمة في حقها ، لأن نفسي سولت لي أن أضربها وأستمر في ضربها حتى تزهق روحها !
لا حول ولا قوة إلا بالله ! إني ألوم الرجل دائما على عنفه تجاه المرأة ، وأحمله دائما مسؤولية اندثار العلاقة بينهما ، على مر الأيام ، لكني الآن لا أملك إلا أن أقول بشيء من الأسى : أين نحن من احترام المرأة لمشاعر الرجل ، وحفظ كرامته بين الناس ؟ أين نحن من أخلاق المرأة التي أصابها شيء من التعفن ، فأصبحت لاتختار لنفسها إلا ما هو دنيء وخسيس ، وذو عواقب وخيمة ؟
أشعل الشاب سيجارة أخرى وهو يتنهد بعمق ، ثم قال :
- مارأيك فيما سمعت ، ياعم ؟
ابتسمت ابتسامة كلها مرارة وقلت :
- ماذا عساي أن أقول ، يا ولدي ! لقد كنت خير صديق وخير حبيب لهذه الفتاة ، لكنها لم تعط لهذا مايستحقه من أهمية ! 
- وماذا أفعل ، حسب رأيك ؟ أأتركها ، أم أظل متشبتا بها ، محاولا إصلاح مايمكن إصلاحه ؟ 
- صعب أن نجد جوابا شافيا لهذا السؤال ! فالظاهر أنها اختارت بدلا عنك شخصا آخر ، لكن هذا لايمنع أن تحاول معها من جديد ، فلربما لان قلبها وتحركت مشاعرها تجاهك ، فتعود لك وكلها ندم وحسرة !
- هذا ماأنوي فعلا القيام به ؛ أتعرف لماذا ؟
- لماذا ؟
- لأني أحببتها بصدق ، وقضيت معها أياما جميلة ، ولست مستعدا أن أخسر كل شيء فجأة !
نظرت إليه بعمق ، ثم قلت له :
- أنت إنسان طيب ياولدي ، ولن تجد هذه الفتاة على أيامنا هذه شابا مثلك يحبها ويصون كرامتها !
- أكيد ! فهي تعلم جيدا أن الشباب ، على أيامنا هذه كما قلت لايلتزمون إلا ناذرا في علاقاتهم مع الفتيات ! فهم يعاشرنهن حتى ينالوا منهن مايريدون ، ثم يرمونهن عظما بدون لحم !
- هذا صحيح ، ياولدي !
قام الشاب من مكانه وهو يبتسم ، ثم قال لي :
- أستودعك الله ، ياعم ؛ أتمنى أن تهيأ لنا الظروف لقاء آخر . . 
- ماذا ، تتمنى ؟ قل يجب أن نلتقي مرة أخرى ، فأنا أريد أن أعرف ماسيجري بينك وبين تلك الفتاة !
- حقا ؟
- ألم أقل لك إني رجل كثير الفضول ؟
- كما تشاء ! 
- خذ رقم هاتفي وكلمني إذا كان هناك جديد في الأمر !
- وهو كذلك !
- لم تقل لي ، مااسمك ؟
- اسمي عمر ، وأنت ؟
- مصطفى .
- تشرفنا ، ياعم !
- كل الشرف لي ، يا ولدي ! 
دفع الشاب الحساب ثم انصرف ، وبقيت أنا . طلبت من الجرسون أن يأتيني بقهوة أخرى . كانت الساعة تشير إلى السادسة مساء . كنت أفكر في صمت . أفكر في كل شيء ، لكن أغلب تفكيري كان منصبا على العلاقة بين الرجل والمرأة ، وعلى الخلافات القائمة بينهما ، والتي لا تنتهي ، سواء كانوا أزواجا أو غير ذلك . لقد أصبحت الموضة أن يتطلق الأزواج ، ويفترق الأحبة الذين هم في طريقهم إلى الزواج، أو مباشرة بأيام بعد الزواج. يالعبث الحياة ! الكل أصبح يعيش على أعصابه ، والكل فقد صبره ؛ فلم تعد المرأة ذلك الكائن المعروف بالصبر على الشدائد من أجل تكوين عائلة وإنجاب أطفال ومنحهم الحب اللازم ، مع تربيتهم وإدماجهم في المجتمع ، بحيث يكونوا أبناء صالحين لأنفسهم وللناس ؛ ولم يعد الرجل ذلك الأب المثالي ، والذي يتمنى أبناؤه أن يكونوا مثله في تدبير شؤون العائلة، وضمان مستقبلها ؛ ذلك الأب الذي يتصف بالحكمة والتأني والصبر . أصبح الكل يبحث عن حريته وتحرره من التزامه بمتطلبات العائلة ، ومن قبضة الآخر على حد تعبير البعض . فكثرة المطلقات أصبحت تفوق كثرة المتزوجات ، وامتلأت المقاهي والحانات والشوارع ، وأصبحت العلاقات اللامشروعة بين الرجال والنساء شيئا عاديا في حياة الناس اليومية ؛ أما عن الأطفال ضحايا طلاق أولياء أمورهم ، فأصبحت حياتهم جحيما في جحيم ، ولم ترحمهم هذه الحياة القاسية ، فأصبحوا عرضة للضياع والتشرد ، إلا من رحم ربك !

مرت أيام وأيام ، ولم أتلق مكالمة من عمر . لقد كنت فعلا قلقا من أجله ؛ فهو شاب مهذب وطيب ، لكنه عصبي المزاج . لقد أصبحت أخاف عليه من التهور والإنقياد وراء هوى النفس الأمارة بالسوء ، فيرتكب حماقة دون أن يفكر في العواقب . 
آه ، هاهو يكلمني اليوم ، بعد مرور شهرين كاملين ! التقينا في نفس المقهى التي تم فيها تعارفنا . كان حزينا ومضطربا ، وكان التشاؤم قد بدأ يتسرب إلى نفسيته .
- مابك ياولدي ؟ أين ابتسامتك ، وأين حبك للحياة ؟ 
نظر إلي بعمق بعد أن أشعل سيجارته ، ثم قال :
- لقد اختفى كل شيء !
- لا ، لا تقل هذا ! وماذا عن فتاتك ؟
- لقد تزوجتها . . 
- آه ، هذا شيء جميل !
- ثم طلقتها .
- ماذا ؟! طلقتها ؟!
- نعم ! طلقتها ولن أفكر أبدا في الزواج ، أبدا ! 
أحسست بسهم يخترق قلبي ، ولم أقو بعد على الكلام . قال لي الشاب ، وهو يفتعل ابتسامة كلها مرارة :
- أين فضولك يا عم مصطفى ؟ ألا تريد أن تعرف ماجرى ؟ ألا تريد أن تعرف كيف تم الزواج والطلاق في أقل من شهرين ؟ أنا سأحكي لك !
تزوجنا وكانت السعادة تغمرنا ! قضينا شهر العسل في مدينة أخرى ، ولما عدنا ، طلبت مني أن تزور عمتها التي كانت توجد بحي بعيد جدا عن الحي الذي كنا نقطن به ؛ كان ذلك يوم أحد ، وكانت الساعة تشير إلى الثالثة بعد الزوال . بقيت أنا وحدي في المنزل ؛ أحسست بالملل فقلت في نفسي " لقد مضى زمن طويل لم تذهب فيه إلى السينما ! " ثم ذهبت . 
انطفأت الأنوار وبدأ العرض . كان الفلم ممتعا ، بحيث كان يتناول قصة حب بين شاب وشابة في مقتبل العمر . بعد مايقرب من ربع ساعة ، جاء شاب ليجلس بالمقعد الشاغر الموجود جنبي ، وكانت معه فتاة . هذه الفتاة كانت هي زوجتي !
- ماذا ؟! زوجتك ؟!
- نعم ! زوجتي مع رجل آخر !
- ذلك الشاب الذي . . 
- لا ، إنه شاب آخر ! 
- وماذا فعلت ؟!
- لم أفعل شيئا ، ولم أتهور . . قمت من مكاني ورميت عليها يمين الطلاق ، ثم غادرت المكان !

مصطفى دهور. أستاذ اللغة الفرنسية. 
الدار البيضاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق