الأحد، 9 سبتمبر 2018

أريد أن أضع حدا لحياتي // بقلم مصطفى دهور

* إخواني القراء الأعزاء سلام الله عليكم ! 
أتمنى أن تنال هذه القصة رضاكم وتلقى تشجيعاتكم

/ أريد أن أضع حدا لحياتي /
هذه هي الفكرة التي تراودني قبل أيام ، لكني أجلت ذلك إلى مابعد عيد الأضحى ؛ لم أرد أن أنغص على عائلتي فرحتهم بالعيد. لقد قضوا السنة كلها وهم يضعون الدرهم على الدرهم حتى يتأتى لهم شراء كبش الأضحية. هناك إخوتي الصغار أيضا ، وهناك جدتي التي تعد الأيام ، وهي تنتظر بفارغ الصبر حلول هذه المناسبة العظيمة ، ولست أظن أنه من حقي أن أسرق منهم فرحتهم. أنا لست فتاة أنانية على فكرة !
الآن ، ماذا عن الطريقة التي سأنهي بها حياتي ! هل أرمي بنفسي من فوق إحدى العمارات الشاهقة ؟ لا .. هذا سيملأني رعبا وأنا أرى نفسي أقترب شيئا فشيئا من الأرض ، أضف إلى ذلك أنني لن أحتمل أبدا سماع صوت رأسي وهو يرتطم بشدة بالإسفلت ! جميل .. وماذا لو وضعت رأسي فوق سكة الحديد ، في انتظار أن يأتي القطار بسرعته الفائقة فيفصل في ثانية رأسي عن جسدي ! فكرة طيبة والله ، لكنها مرعبة جدا. إنه القطار وما أدراك ما القطار ! لا ، لا .. يجب أن أجد طريقة سهلة لن أتألم معها ولن تسيل معها نقطة دم واحدة من جسدي.
من الطبيعي أن تتساءل عزيزي القارئ عن السبب الذي يدفعني لأضع حدا لحياتي. لن أطيل عليك. أنا فتاة معقدة جدا ، وعقدتي تتغذى يوميا مما أعيشه وأشعر به بين الناس ، وهي السبب فيما أريد الإقدام عليه. حقيقي أنا أتمتع بروح طيبة ، وأخلاق عالية ، وقلب مليء بالحب ، لكن عقدتي تجعل مني إنسانة بئيسة ، كئيبة ، حزينة ، بدون طموح ولا أمل في الحياة. 
آه كم كنت أتمنى أن يكون لي ، كباقي الفتيات شاب يقول لي أنه يحبني وبصدق ! لكن هذا لم يحدث ، ولا أظن أنه سيحدث في يوم من الأيام ؛ فأنا بشعة جدا .. وهل رأيتم أو سمعتم يوما أن رجلا أحب فتاة ذات صورة بشعة ، ولا جمال في وجهها ؟ هل سمعتم بهذا ؟ يمكن أن يتزوجها لمالها أو لجاهها أو لغرض آخر في نفسه ، لكن لايمكن أن يحبها .. وأنا أريد أن أكون محبوبة، الشيء الذي يعقد الأمور أكثر بالنسبة لي ، لأني أعلم أني لن أكون أبدا محبوبة . 
أعرف أن الله عز وجل هو الذي خلقني على هذه الصورة ، فهو القائل " وهو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء " ، وكوني أريد أن أضع حدا لحياتي ليس تمردا على أمر الله ، وحاشا أن يكون كذلك ، بل هناك دافع قوي ، وقوي جدا كانت بشاعة صورتي السبب الرئيسي فيه.
أعرف أن فضولك عزيزي القارئ يجعلك تريد معرفة كل شيء ، وأنا سأحكي لك كل شيء.
أنا فتاة في الرابعة والعشرين من عمري ، حاصلة على شهادة البكالوريا وأعمل بإحدى الشركات. لقد عودت نفسي منذ سن المراهقة على أن أصاحب نفسي ، وأحكي فقط لنفسي .. لاصديقة لي ولا صديق. وأنا في الثالثة والعشرين من عمري ، أي قبل سنة من الآن ، فكرت أن أتغير ، ربما كان في هذا التغيير شفاء لما أشعر به وأعيشه يوميا. كان تفكيري كله منصب على تغيير هندامي ؛ أريد أن أظهر ب " نيو لوك " جديد ، وبصورة مغايرة. وأول شيء بدأت به هو نزع ذلك الحجاب الذي كنت أرتديه ، والذي كان يسعدني أن أرتديه ، لأنه كان يشعرني بأني أمتثل لأوامر الله عز وجل ونواهيه ، ولا أقوم بما يغضبه. وجاء الشيطان اللعين ليوسوس لي أشياء وأشياء ، واشتغلت النفس الأمارة بالسوء .. وما هي إلا فترة قصيرة حتى وجدتني أرتاد المقاهي ، وأدخن السجائر ، وأبتسم لهذا وذاك .. كانت سراويلي الضيقة تجلب أنظار الكثيرين ممن اعتادوا على تتبع عورات النساء ، وكان صدري العاري محطة تلتقي عندها كل النظرات الوقحة.
أصبحت أرتاد نفس المقهى حيث كانت توجد فتيات كثيرات. لم أكن أعرف ماأريده من وراء هذا التغيير، لكني كنت أشعر بأني في حالة ارتياح شامل ؛ كانت نظرات الرجال المغرية إلى أماكن معينة من جسدي تشعرني بأن وجودي سيصبح له معنى ، لكني لم أكن وللأسف أتوقع أني سأصبح عرضة للضياع ! بدأت أبتعد تدريجيا عن طريق الله ؛ فالوقت الذي كنت أخصصه للوضوء في الصباح والصلاة وقراءة ماتيسر من القرآن ، قبل أن أذهب للعمل أصبحت أخصصه للمكياج وتسريحة الشعر واختيار الملابس إلى آخر ماهنالك. كان همي الوحيد هو أن أبدو جميلة. 
ذات يوم ، طلب مني أحد الأشخاص ولاعتي ، وقبل أن يشعل سيجارته قال لي " اسمحي لي أن أقول لك بأنك فتاة جميلة ! " لقد سرني هذا جدا ، ولم يكن لدي الوقت لأستنتج إن كان هذا الشخص يجاملني ، أم كان يقول الصدق. وعاد في اليوم التالي وانتظر حتى أتاني نادل المقهى بقهوتي ليطلب مني مرة أخرى ولاعتي وهو يبتسم ابتسامة رقيقة. ابتسمت أنا كذلك. قال لي بلطف " أريد أن أتعرف عليك ، إذا لم يكن لديك مانع ! " 
ولم يكن لدي أي مانع .. وتم التعارف فعلا بيننا. دامت صداقتنا مايربو على ستة أشهر. كان شابا مهذبا ولطيفا جدا. وفي يوم ، ونحن نتناول وجبة الغذاء معا بإحدى المطاعم ، قال بأنه يريد أن يقول لي كلاما لم يقله لفتاة قبلي ، ولا يظن أنه سيقوله لفتاة بعدي. وضعت الشوكة والسكين وقلت له " قل ما شئت ، فأنا كلي آذان صاغية ! "
قال لي ، وكأني به يرتعش " أتمنى ألا تسخري مني " ، ثم أردف قائلا " إني أصبحت أحبك ! "
ياإلاهي ، ماذا أسمع ! لا ، لا .. هناك شيء ما غير صحيح ! طلبت منه أن يعيد ماقاله فأعاده وهو يضيف " أنت فتاة مهذبة ولطيفة وأنيقة ، وجمالك يهز مشاعري. لقد بدأت أفكر في الإرتباط بك وقضاء ماتبقى من عمري معك ! "
لم أقل شيئا وطلبت منه أن نغادر المكان فورا. وأنا في طريقي إلى بيتنا ، كنت أقول لنفسي ، وأنا جد مسرورة بأن هذا التغيير الذي طرأ علي أعطى أكله بسرعة ، مما شجعني على التفكير في اقتناء مستحضرات تجميل أخرى ، باهضة الثمن.
قطعت علاقتنا أشواطا كبيرة ، وأصبحنا نحب بعضنا بشغف ؛ أصبحت أرى فيه الصديق والحبيب .. أصبحت أرى فيه الماضي الذي لم أعش أطواره والحاضر الذي حل عقدتي والمستقبل الذي يضمن لي حياتي . ولا أخفيك القول عزيزي القارئ .. لقد سلمته نفسي. وفي يوم من الأيام ، وبعد استشارة الطبيب ، علمت أني أحمل ابنه في بطني. كنت سأطير من الفرحة وأنا أزف إليه هذا الخبر. قلت له " متى ستتقدم لخطبتي ؟ أنت الآن ستصبح أبا ، وأظن أن هذا شيء يسعدك ، أليس كذلك ؟! "
لم يقل شيئا. أعدت عليه نفس الكلام وانتظرت أكثر من دقيقتبن لأسمعه يقول ، وفي صوته نبرة لم أعهدها من قبل " لا .. هذا شيء لم يسعدني.
- ماذا ؟!
- هو كما سمعت ! "
جحظت عيناي وأحسست بضيق في صدري. قلت له :
- ألم تعدني بأنك ستتزوجني ؟
- اه فعلا ، لكني غيرت رأيي.
- ياسلام .. غيرت رأيك ! أنا الآن حامل ، والوضع يختلف ..
- اسمعيني جيدا من فضلك ! أنت من خططت لهذا الحمل ، وانت من تتحملين العواقب.
ماذا .. خططت لهذا الحمل .. كلام غربب !
- لا غريب ولا يحزنون. أظن أنه قد حان الوقت لأن نفترق.
- نفترق .. تقولها بكل بساطة وكأن الأمر لايعنيك !
- هو فعلا لايعنيني. أنا كنت أبحث عن نوع من المتعة وقد وجدتها لفترة معك. أشكرك ومن أعماق قلبي على كل شيء.
- متعة ؟! هكذا إذن ! وماذا عن الحب الكبير الذي كنت تكنه لي ؟! ألست أنا الفتاة التي هز حبي لك كل مشاعرك .. تكلم . ألم تكن تقسم بجمالي ؟
- فعلا. كنت أقول لك ذلك ، لكنه لم يكن صحيحا ، بحيث لم يكن من اللائق أن أقول لك العكس. كنت أقول لك أنت جميلة جدا لأكسب قلبك. كانت تلك خطتي لأنال منك ماأريد !
- أنت وضيع .. حقير .. دنيء .. 
لم يقل شيئا. كنت في حالة غيض. أشعلت سيجارة وأشعل هو أيضا سيجارة. دخنا في صمت ، بعد ذلك قام من مكانه ونادى على النادل ، ثم قال لي :
- أريد أن أقول لك شيئا مهما جدا ربما جعلك تدركين حجم الوهم الذي تعيشين فيه : أنت فتاة بشعة ولن تنفع كل مساحيق العالم أن تصنع منك فتاة جميلة. والحكمة تقول عاش من عرف قدره. فكري جيدا في كلامي وعودي إلى طريق الصواب ، ودعي الأمر لله الذي بيده مقاليد كل شيء.
كلام معقول ، ولو أنه من شخص حقير ، لكنه لن بنفعني الآن بشيء. أنا الآن في ورطة ! كيف ستستقبل عائلتي خبر حملي ؟ ستموت أمي من حسرتها ، وهذا شيء أكيد. وماذا عن الجيران ، والأهل والأقارب ! سيتكلمون عني وعن عائلتي بسوء .. سيلوثون سمعتنا .. أما في حالة إقدامي على وضع حد لحياتي ، فلن يكفوا عن الكلام !
لا ، لا .. لن أموت ، بل سيموت الجنين. سأقوم بعملية إجهاض ، بعد ذلك سأتوب لله عز وجل وأعود إليه عن طريق الصلاة والعبادة والدعاء ، وكلي أمل أن يغفر لي ويسترني ويرحمني .. فرحمته سبحانه سبقت عذابه.

مصطفى دهور. أستاذ اللغة الفرنسية. 
الدار البيضاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق